ما البديل الذي تحصل عليه الأمة حين تعيش بمعزل عن أعلام الهدى والحق؟
– متى يحصل لآيات القرآن تأثير في حياتنا، هل بفهمهما أو بمجرد حتى سماعها؟
– افتتحت كل سور القرآن الكريم بـ بسم الله الرحمن الرحيم، فماذا تجد في ذلك من الدلالة؟
– ما دلالة تسمية الله المنافقين إخوان أهل الكتاب؟
– هل تكفي آيات القرآن لهداية البشر وهي بمعزل أهل البيت عيلهم السلام؟
– ما البديل الذي تحصل عليه الأمة حين تعيش بمعزل عن أعلام الهدى والحق؟
دروس من هدي القرآن الكريم
{إِن تُطيعوا فَريقًا مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ يَرُدّوكُم بَعدَ إيمانِكُم كافِرينَ}
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 8/1/2002م
اليمن – صعدة
إذًا فأنت من أضعت، أنت – بانصرافك عن هديي بانصرافك عن نهجي، بانصرافك عن أعلام الدين – أنت الذي أضعت ديني، أضعت عبادي جميعًا؛ لأن الله سبحانه وتعالى يهمه أمر عباده جميعًا، لكن عن طريق من؟ – كما اقتضت سنته – عن طريق بعض عباده، إذا لم يتحمل هذا البعض المسؤولية فإنه هو من يجني على البشرية كاملًا، وهذه حقيقة. أليس صحيحًا لو أن العرب هم من التزموا بالدين فإن الله قد وعد بأن يظهره على الدين كله؟ وأمرهم أن يقاتلوا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
{يَرُدّوكُم بَعدَ إيمانِكُم كافِرينَ} [آل عمران: 100] حينئذٍ عندما تصبح كافرًا، يصبح من السهل على اليهود أن يضربوك؛ لأنهم قد فصلوك عن الله، وستكون في نفس الوقت بدلًا من أن تكون محط عناية الله وتأييده تصبح محط ومحل غضب الله – ونعوذ بالله من غضبه – وإذلاله وتعذيبه.
هل من المحتمل أن يحصل هذا؟ الآية توحي فعلًا، هو يتحدث عن حقيقة، وتسمى آيات الله حقائق {إِن تُطيعوا فَريقًا مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ يَرُدّوكُم بَعدَ إيمانِكُم كافِرينَ * وَكَيفَ تَكفُرونَ وَأَنتُم تُتلىٰ عَلَيكُم آياتُ اللَّهِ وَفيكُم رَسولُهُ} [آل عمران: 100-101](آل عمران: من الآية101) هذا الاستنكار يعني أن موقفكم هو مما يثير الاستغراب فعلًا، قد تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله، وهذا شيء مدهش جدًا، شيء مزعج جدًا، كيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله؟!!. وبمجرد تلاوتها ناهيك عن فهم معانيها، وفهم أعماقها وفهم ما توحي به، فإن مجرد تلاوتها وسماعها فيه ما يكفي للهداية.
{وَأَنتُم تُتلىٰ عَلَيكُم آياتُ اللَّهِ} [آل عمران: 101](آل عمران: من الآية101) آيات الله، وهي حقائق وأعلام؛ ولهذا سميت آيات، هي أعلام على حقائق، حقائق من الهدى، حقائق من واقع الحياة، حقائق من مستقبل الغيب، حقائق في كل ما تحكيه.
{وَكَيفَ تَكفُرونَ وَأَنتُم تُتلىٰ عَلَيكُم آياتُ اللَّهِ} [آل عمران: 101](آل عمران: من الآية101) آيات الله ربكم، آياته ليست صحفًا [صحيفة الحياة] أو [صحيفة الشرق الأوسط] آيات هي من قِبَل من؟ من قِبَل الله الذي هو ربكم، الذي هو الرحيم بكم، الذي هو الهادي لكم، الذي هو اللطيف بكم، الذي هو إلهكم وملككم يهمه أمركم. آيات الله، هل أنتم بعد لم تعرفوا الله، وتعرفوا موقفه منكم، وتعرفوا أنه يهمه أمركم، أنه رحيم بكم، أنه لطيف بكم، أنه حكيم، أنه عالم الغيب أنه… الخ؟ أليس هذا شيئًا مدهشًا؟!
ممكن يقول: وأنتم تتلى عليكم صحيفة كذا، أو مجلة كذا، أو كتاب بخاري، أو كتاب فلان، فتقول: لكن هذا الرجل أو هذا الكاتب أو هذه الصحيفة لا يهمها أمرنا، وإن أدت نصائح فليست بالمستوى الذي يهمها أمرنا لدرجة عالية. لكن أما الله سبحانه وتعالى هو رحمن رحيم، وجاءت (بسم الله الرحمن الرحيم) في كل سورة تؤكد أنما يتلوه على الناس من آياته، وما يهديهم إليه، وما يشرّعه لهم هو كله من منطلق أنه رحيم بهم ورحمن بهم.
{وَفيكُم رَسولُهُ} [آل عمران: 101] إضافة إلى القرآن وفيكم رسوله، رسوله. لا حظوا الإضافات هذه [آيات الله، رسوله] ألم تأت كلها مضافة إلى الله؟ هو عندما يرسل رسولًا هو يصطفي رسلًا من نوعية معينة، يصطفي رسلًا لا يأتون إلى البشرية ليتحكموا عليها من منطلق الجبروت والهيمنة والاهتمام بالمصالح الخاصة، رسلًا يصطفيهم الله سبحانه وتعالى رحمةً للعالمين، يحملون هَمًا كبيرًا ويحملون اهتمامًا كبيرًا بأمر الأمة.
{لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ} [التوبة: 128](التوبة:128). هذا الرسول الذي قال: {وَفيكُم رَسولُهُ} [آل عمران: 101] وليس رسول كسرى، أو رسول ما أدري من، أو وفيكم خبير أمريكي، أو فيكم خبراء ألمان، أو فيكم قانونيون.! {وَفيكُم رَسولُهُ} [آل عمران: 101] آياته ورسوله، آياته تتلى عليكم ورسوله يتلو عليكم.. فكيف تكفرون؟
هل نقول بأنه فعلا قد لا يكون هناك أنه حصل حالة كفر؟ بل حصلت {أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ نافَقوا يَقولونَ لِإِخوانِهِمُ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ} [الحشر: من الآية 11] ألم يحصل هذا؟ المنافقون أليسوا من وسط المؤمنين؟ من وسط المجتمع الذي كان يتلى فيه آيات الله وفيه رسول الله؟ إخوانهم أصبحوا يشعرون بمشاعر الأخوة نحوهم وأصبحوا كمثلهم وشأنهم شأنهم، وحكمهم حكمهم.
أناس يمكن أن يكفروا وهم في نفس الوقت تتلى عليهم آيات الله وفيهم رسوله، ما هؤلاء؟ ماذا يمكن أن نقول فيهم؟ هل هناك أحط مستوى من هذا النوع؟ لا. ولا حتى الأنعام ليست أحط مستوى ممن يمكن أن يكفر بطاعته لليهود، وهو يعلم أن اليهود أذلاء، وهو يعلم أن اليهود أعداء لدينه، وهو يعلم أن اليهود حاقدين عليه، وهو يعلم خبث اليهود، ومكرهم ثم يطيعهم فيكفر، في نفس الوقت الذي تتلى عليه آيات الله وفيه رسوله، أليست هذه نوعية سيئة جدًا؟
لكن لاحظ يبدو في المجتمع أيضًا من هم أسوء من هؤلاء.. المنافقون، ومعظم المنافقين ما كانوا كافرين بمعنى منكرين للقرآن أو منكرين للرسول.. مؤمنون بأن هذا هو القرآن وأن هذا هو رسول الله لكنهم ينطلقون منطلقات أخرى بسبب قلة وعيهم، وبسبب جهلهم بالله سبحانه وتعالى، جهلهم بمعرفة الله بالشكل الذي كان يمكن أن يخلق في نفوسهم خشية، اهتمامهم بمصالحهم، اهتمامهم بنفوسهم، {يَقولونَ لِإِخوانِهِمُ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ} [الحشر: 11]إلى آخره.
ثم تلاحظ هؤلاء المنافقين هم أنفسهم ألم يكونوا يشكلون خطورة في ذلك المجتمع الذي كان فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ فأصبحوا هم من كانوا يؤثِّرون على الكثير فلا ينفق الكثير، فلا يخرج مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ويتخلف عن الجهاد معه.
تأتي حملة رهيبة في القرآن الكريم على المنافقين؛ لأنهم كانوا شديدي التأثير، وكثيري التأثير في أوساط المجتمع الذي فيه آيات الله وفيه رسوله، لدرجة أن الله قال عنهم: {هُمُ العَدُوُّ فَاحذَرهُم} [المنافقون: من الآية 4] لماذا احذرهم؟ هل لأنهم يشتغلوا في أوساط الكافرين؟ أو أنهم كانوا يشتغلوا في أوساط المؤمنين أنفسهم؟ في أوساط المسلمين فيجعلونهم يتخلفون عن رسول الله ولا يهتمون بمقام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ولا يهتمون بما يصدر منه، ولا يخرجون للجهاد معه إلا متثاقلين، ويتعبونه جدًا ويقلقونه جدًا.
رجع عبد الله بن أُبَيّ بكم؟ بثلاثمائة رجل عندما خرج رسول الله إلى غزوة [أحد] استطاع أن يرجع بثلاث مائة إلى المدينة ويتخلفوا عن رسول الله ثلاثمائة! منافق واحد.
من يتأثر بمنافق عربي.. منافق عربي وآيات الله تتلى عليه وفيه رسوله، سيعبد يهوديًا وليس فقط سيتأثر بيهودي، سيتحول إلى كافر على يد يهودي، وسيرى نفسه في يوم من الأيام يـعبد اليهودي كعبادة الناس للشيطان؛ لأن المنافق العربي هو أقل دهاء من اليهود، أقل خبرة، أقل فهمًا، أقل ذكاءً، أقل دهاء من اليهود. فإذا كان منافقون عرب من أهل المدينة وممن حول المدينة هم قد يكونون من تأثروا تأثيرًا بسيطًا باليهود فأصبحوا منافقين مزعجين، فأصبحوا مؤثرين فالمجتمع الذي يتأثر بالمنافق العربي البدوي سيتأثر باليهودي فيتحول إلى كافر، اليهودي الذي يمتلك تاريخًا من الخبرة قوامه أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ويعرف هذا الدين أكثر مما يعرفه المنافق العربي.
لو تلاحظوا حتى فعلًا منافقي العرب في زماننا ألم يتحولوا إلى خدام لليهود؟ وعن بُعْد يشغلوهم [بالريموت]، عن بُعد.
إذًا فتأتي الآية هي فعلًا تحكي أن هناك وضعية خطيرة حتى على الرغم من وجود النبي ووجود القرآن {إِن تُطيعوا فَريقًا مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ يَرُدّوكُم بَعدَ إيمانِكُم كافِرينَ} [آل عمران: 100] وهل هناك أبعد من الكفر؟
{وَكَيفَ تَكفُرونَ} [آل عمران: من الآية 101] لا حظ كأنه يحكي بأنه قد حصل منهم، أحيانًا عندما تكون حالة الإنسان أو حالة المجتمع مهيأة لأن تسودها ظاهرة معينة يصح أن يُحكى عنها وكأنها قد وقعت. {وَكَيفَ تَكفُرونَ وَأَنتُم تُتلىٰ عَلَيكُم آياتُ اللَّهِ وَفيكُم رَسولُهُ} [آل عمران: 101] هنا قد نضل بمنافق عربي متأثر بيهودي بدوي.
{وَأَنتُم تُتلىٰ عَلَيكُم آياتُ اللَّهِ وَفيكُم رَسولُهُ} [آل عمران: من الآية 101] توحي الآية بأنه أيضًا: لا بد من هداية الله على هذا النحو، وأن الأمة تحتاج إلى هدي من الله بشكل كتب وإلى أعلام للهدى قائمة، تحتاج إلى أعلام للهدى قائمة. لم يقل: {وَأَنتُم تُتلىٰ عَلَيكُم آياتُ اللَّهِ} [آل عمران: 101]، هل اكتفى بهذا؟ {وَفيكُم رَسولُهُ} [آل عمران: من الآية 101] عَلَم منكم، رجل منكم، عَلَم للهدى يحمل هذا القرآن، ويدور حوله، ويهديكم بهديه، يحمل رحمة القرآن، ويحمل هدي القرآن – والقرآن هو يتنزل في تلك الأيام آية، آية، على مرأى ومسمع منهم – وهو رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي يعرفونه بشخصه، ويعرفونه بمواقفه، يتحرك بينهم، ومع هذا يمكن أن يضلوا بمنافق يعتبر عميل أو متأثر بيهودي، يكفر بطاعة فريق من أهل الكتاب!
وأولئك اليهود كانوا أقل دهاء وأقل خبثًا، بل كانوا فعلًا يعدون [بدوًا] بالنسبة ليهود اليوم، والكتاب هو كتاب للعالمين إلى آخر أيام الدنيا، والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هو رسول للأمة إلى آخر أيام الدنيا، والقرآن هنا ينص على أن الأمة بحاجة إلى القرآن، وبحاجة إلى عَلَم يتجسد فيه القرآن هو امتداد للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ووارث للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في كل عصر من العصور. أليس يعني هذا: بأن الأمة ستكون أحوج ما تكون إلى أعلام للهدى تلتف حولهم؟ هم يجسدون القرآن ويهدون بالقرآن، ويرشدون الأمة بالقرآن، ويعملون على تطبيق القرآن في أوساط الأمة.
أم أن الله لم يهتم بالأمة هذه؟! فكتاب ورسول هو سيد الرسل لمجموعة من البشر في زمن محدود ثم يقول هذا الدين هو كله للعالمين، وهو يهددنا ويحذرنا من أهل الكتاب وهم [بدو] مقابل أهل الكتاب الرهيبين الشديدين في مكرهم الذين يمتلكون إمكانيات هائلة، ثم لا يضع حلًا للمسألة!! الحل هو نفس الحل: لا بد للأمة من أعلام تلتف حولها، هم أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
{وَأَنتُم تُتلىٰ عَلَيكُم آياتُ اللَّهِ} [آل عمران: من الآية 1] هذه آيات الله هي قائمة فينا، لكن عندما فُقدت الأعلام ألم يضع الكتاب نفسه؟ – نضيعه نحن ولم يضع هو – ألم تضيع الأمة الكتاب هو عندما أضاعت الأعلام؟ أم أنه ليس هناك إشكالية؟ هذه نقطة مهمة. أن من قوله: {وَفيكُم رَسولُهُ} [آل عمران: 101] بعد قوله: {وَأَنتُم تُتلىٰ عَلَيكُم آياتُ اللَّهِ} [آل عمران: من الآية 101] إذا قلنا وأنتم تتلى عليكم آيات الله، [حسبنا كتاب الله]، ألم يقلها عمر؟ [حسبنا كتاب الله] لكن كتاب الله تحتاج الأمة إلى من يجسده – تحتاج الأمة ولا يصح أن نقول: يحتاج، يحتاج، هذه عبارة ليست مؤدبة – لكن نقول الأمة تحتاج إلى من يهديها به، تحتاج إلى من يجسد قيمه، تحتاج إلى من يفهم آياته فيرشدها بهديه وإرشاده، الأمة تحتاج إلى هذا.
فعندما رأت نفسها مستغنية ما الذي حصل؟ هل اهتدت فعلًا بالقرآن؟ لا، بل ضلت ولم تهتد بالقرآن، وبدلًا من أعلام الحق يصعد لها أعلام سوء، وأعلام شر، وأعلام باطل! هذا الذي حصل، فضلت عن القرآن، وبدلًا من أن يكون لها أعلام حق وأعلام هدى يبرز لها أعلام شر وضلال على امتداد تاريخها، وتتعبد الله بولائهم!