قمة الصواريخ البلاستيكية..
محويت نت.
اعداد / فؤاد الجنيد
أنتهت قمة ظهران الجنوب قبل أن تبدأ، فما في ظهريها ليس كما في بطنيها، وعنوانها حمل اسم “القدس”، تلك المدينة التي يجمع المؤتمرون على خذلانها سلوكا ومبادئا ومواقف، ويسارعون إلى الوشاية بها وقذعها بأبشع النعوت في كل محفل. قمة تحكمت الصواريخ اليمنية في تحديد مكان انعقادها، وطغت على مفاصلها شحوم الرتابة والمحاباة والنفاق، واهتمت وفودها بأطباق الآكلات، والتقاط أكبر عدد من الصور التذكارية للخيبة والإنبطاح، في حين انبهر الجميع بترجل السيسي المصري للحديث، وحدّة نبراته التي بدأها بالتهديد والوعيد، وانهاها بالاشفاق على مدن المملكة من صواريخ بلاستيكية تطلقها عناصر يمنية في ألعاب ما بعد قيلولة الظهيرة.
أنظمة لا تمثل الشعوب
تدرك شعوب الأقطار العربية أن مخرجات القمم العربية لا تتجاوز المحابر والورق، وأنها ليست أكثر من استهلاك لمفردة “الإجماع العربي” الذي انقرض قبل سن الرشد. مواضيع هنا، وأوراق هناك، جميعها حجزت مكانا مبكرا في جدول الأعمال، لكنها وضعت في تابوت البيان الختامي قبل موعد الإنعقاد بأيام، لتحضر القمة بقالبها لا قلبها، ومبناها لا معناها، وقبل ذلك شكلها المنفصل كليا عن جوهرها. قمة عقيمة تأتي في ظل عدوان البلد المضيف على جيرانه، وتدخلاته في بلدان المنطقة برمتها، وتأتي بعد ساعات من عدوان ثلاثي على بلد عربي سلبت منه العضوية في عروبة غير جامعة. قمة، تابعها المواطن العربي كطفل فقير، رأى دمية من وراء الزجاج، فاحترم فقره وانصرف.
بين القدس وايفانكا
لم يكن لـ “القدس” نصيب حقيقي في هذه القمة بالرغم من كونها محور القمة وعمودها، فالحديث عنها لم يتعدى مجرد التنظير والتحليل، ورص كلمات الخطابات بعبارات التضامن والتعاطف الزائف، لكن الواقع يحكي أمرا مختلفا، فهو يكشف أن ذلك المبلغ المالي الذي رصده العاهل المبجل لدعمها، لا يساوي جزءا من تكاليف مأدبة الغداء، وأن سيقان “إيفانكا ترامب” وحدها جلبت لخزينتها أربعمائة مليار دولار، وهو ما لم تحظى قبة الصخرة بأعشار اعشاره، كل ذلك لأن محددات الإهتمام ومعاييرها ترجح كفة العشرينية الشقراء، فالقدس برتوقها المنكسرة لم تسر الخاطر، وتجاعيد وجهها العربي الصامد أقرب لوجه الرجل، فضلا عن كروية قبتها التي تختزل بداخلها الهوية والدين، والحضارة والتأريخ، لكن أولئك آثروا جغرافيا القوام الإيفانكي، واختزلوا عروبتهم ومقدساتهم في قباب جسدها ومحاريب مفاتنها. نحن كيمنيين لا نكترث لهكذا سلوك، فلا وقت لدينا للإلتفات للمراهقين وكرم عطائهم للسراب، لكننا نأخذ الأمر من جانب اهتمامنا بارقام التبعات الإقتصادية لعدونا، وفارق التسليح الأمريكي، ونرى كيف أن ساق واحدة أقصر بكثير من صاروخ بدر الباليستي، كلفت الإقتصاد السعودي ما لم يكن في الحسبان.
صواريخ بلاستيكية
لم يحدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رغم كونه رجلا عسكريا، ما إذا كانت الصواريخ البلاستيكية من البلاستيك الخام، أم من البلاستيك المعاد تدويره. لكننا مع إيماننا بأنها هفوة غير مقصودة، إلا أنها تحمل الكثير من الحقيقة، فارباب الفضل عليه، يسمونها مقذوفات يمنية، ويهرولون نحو العواصم الغربية للإحتماء منها بدروع دفاعية باهظة الثمن، ناهيك عن الصراخ والعويل في كل جلسة لمجلس الأمن، أو الاستجداء بأي زيارة لمبعوث أممي. لقد تحدث سيسي مصر عن عناصر يمنية تقف وراء إطلاق الصواريخ، ولم يتحدث عن عناصر إيرانية، أو جنود لحزب الله، وهو بذلك يفند خرافات شماعات طهران والضاحية الجنوبية التي تتخندق الرياض ورائهما، ويجاهر بحقيقة أن هناك يمنيين يدافعون عن بلدهم، ويذودون بارواحهم عن كرامتهم وعزتهم، ويعترف بمشروعية ردهم وردعهم لبلد غازي لا يتورع عن القتل والإجرام، والدمار والحصار.
هفوة وغفوة
في رد لوزير خارجية قرن الشيطان، حاول الجبير تبرير نقل القمة من الرياض لأسباب تتعلق بمناورة عسكرية قريبة من الظهران تستدعي حضور الزعماء العرب المشاركين في القمة، لكنه في سياق الحديث والتبرير أعترف صراحة بوصول الصواريخ اليمنية إلى الرياض وإمكانية وصولها إلى الظهران، حيث قال: أن نقل القمة العربية من الرياض لم يكن لدواعي أمنية خوفا من الصواريخ اليمنية، فهي قد تصل للظهران، وإنما جاء النقل بسبب قرب الظهران من مكان المناورة العسكرية. لقد كان الجبير صادقا في هفوته، فمبالغته في التبرير والتأكيد على سبب آخر لنقل القمة، جعله يتفوه بحقيقة تخفيها مكنوناته، تماما كالسيسي الذي قادته المبالغة في الاشفاق على أولياء نعمته من الصواريخ اليمنية، إلى الإعتراف بيمنية مطلقي تلك الصواريخ حتى وإن كانت بلاستيكية كما وصفتها هفوته اللافتة.