’بلاك ووتر العراق ’ … هل يعيد التاريخ نفسه في اليمن؟

شارل أبي نادر – عميد متقاعد – نقلاً عن موقع العهد
دائماً … وفي اغلب المفاصل التي ميزت حتى الان الساحة اليمنية وخصوصا فيما يتعلق بمشاريع التحضير لتسوية النزاع بشكل سلمي من خلال مفاوضات تمهيدية في مسقط او اساسية في جنيف بين محور الرياض من جهة والمؤتمر الشعبي وانصار الله من جهة ثانية، كان الموضوع في النهاية لا يمرّ على خير لبلوغ خواتيمه السعيدة من حيث المباشرة بهذه المفاوضات بشكل جدي، وكانت دائما عين هذا المحور على الميدان وترقّب اية فرصة على الارض لانتزاعها والعمل عليها لوقف المفاوضات او لاضافة شروط تعجيزية تنسفها.
اليوم، وبعد قبول ” حكومة هادي ” في المنفى الصحراوي بوقف اطلاق النار وفتح الباب على المفاوضات المباشرة، وفي ضربة ناجحة لانصار الله بصواريخ كاتيوشا، قتل بعض العناصر الاجنبية، اوسترالي و كولومبيون وبريطانيون من ضمن مجموعة من المرتزقة تقاتل مع وحدات التحالف بمواجهة الجيش واللجان الشعبية على محور كرش – لحج وقرب معسكر العمري في المخا – باب المندب، وتبين ان هؤلاء القتلى الاجانب تابعون للشركة الاميركية للخدمات الامنية والعسكرية الخاصة ” بلاك ووتر ” الذائعة الصيت في اعمالها القذرة والتي كانت لها اليد الطولى في الحرب الداخلية العراقية اثناء الاحتلال الاميركي لهذا البلد والتي كانت مسؤولة عن تنفيذ اعمال ارهابية واعمال لها طابع الفتنة من خلال مهماتها آنذاك في الامن والحماية المشبوهة. وكانت قد انتشرت هذه العناصرفي اليمن باشراف الوحدات الاماراتية وبرعاية التحالف بقيادة السعودية في النقاط الساخنة على جبهات تعز ومأرب وباب المندب حيث كانت المواجهات العنيفة في محاولات التقدم الفاشلة عبر المحاور المذكورة باتجاه العاصمة صنعاء.

من جهة اخرى، يبدو ان هذا الفريق الذي لم يقتنع حقيقة بخيار المفاوضات السلمية، يحضّر الارضية لما بعد انسحابه القريب من الميدان اليمني والذي اصبح حقيقة واقعة على الارض رغما عنه بعد الفشل الواسع لكافة عملياته العدوانية ومحاولاته العسكرية على مختلف الجغرافيا اليمنية، وذلك من خلال الاستعانة بالخدمات المشبوهة للشركات الاميركية صاحبة الباع الطويل والواسع في هندسة اعمال الفتنة وفي برمجة عمليات خلط الاوراق على الارض بين المجموعات المتنافسة من خلال عمليات ارهابية متوازنة داخل اماكن سيطرة هذه المجموعات المتصارعة والتي تتقاتل او تتواجه عسكريا فيما بينها.
هذه الفوضى الامنية والعسكرية التي يتم التحضير لها على الساحة اليمنية من خلال إدخال وزج الشركات المشبوهة المذكورة تترافق مع انتشار واسع لعناصر القاعدة وداعش في اغلب نواحي الجنوب والجنوب الغربي، حيث نجد مدنا كثيرة باكملها قد اصبحت تحت سيطرة التنظيمين الارهابيين مع غياب شبه كامل لمجموعات الرياض والتي تتبع الفار هادي وعناصر الاصلاح والحراك الجنوبي. وهذا الانتشار الارهابي يحظى وكما تُظهر كافة المعطيات والوقائع على الارض بدعم مالي وعسكري لافت من قوات التحالف بطريقة مباشرة عبر مدّه باسلحة وبآليات متطورة احتاجها لفرض سيطرته وانتشاره الواسع بمواجهة الجيش اليمني واللجان الشعبية وانصار الله وايضا بمواجهة مجموعات الرياض الاخرى التي كانت شريكته في معارك الدخول واستعادة السيطرة على مدن الجنوب اليمني، وتحظى بتغطية مهمة وبطريقة غير مباشرة عبر غضّ النظر وتسهيل تقدمه وسيطرته على نقاط عسكرية للجيش اليمني في مناطق الشرق اليمني شمالا او جنوبا وامتداداً للمدن السلحلية على بحر العرب. وهذه النقاط العسكرية كانت تتبع بالظاهر للرئيس الفار هادي ولكنها بقيت عملياً على الحياد بهدف المحافظة على قدراتها لصالح الدولة الشرعية والجيش الوطني بمعزل عن الصراعات الحالية. وما القصف الجوي المباشر من قبل طائرات التحالف لبعض هذه الثكنات العسكرية عند مواجهتها لعناصر القاعدة وداعش ولاكثر من مرة الا الدليل القاطع على هذا الدعم.
واخيراً … إنها الاستراتيجية الاميركية ذاتها، تنفذها على اراضٍ عربية بواسطة دول عربية اخرى تنجرّ طوعاً احياناً ومرغمة احياناً اخرى حيث لا حول لها ولا قدرة، تدفع من ثروتها الوطنية ومن اموال شعوبها لمجموعات غريبة، تحركها الولايات المتحدة عبر شركات امنية وعسكرية خاصة حيث تؤسس الاخيرة، ومن خلال عمليات ارهابية قذرة لفتنٍ داخلية ولفوضى مدمّرة تصيب هذه الساحات العربية، ويبقى شرقنا مسرحا لمعارك قاتلة ولنزاعات مفتوحة تحت عناوين مفهومة وغير مفهومة ولحروبٍ لا تنتهي.

مقالات ذات صلة

إغلاق