حالة شعب الجنوب العربي بين الدين ولينين

محمد بن سقاف الكاف

بمتابعة المشهد الجنوبي والذي اعتبر نفسي قارئاً جيداً وباحثاً في تاريخه الحديث والمعاصر استوقفني ما يقوم به الدواعش في هذه الأيام من أبناء الجنوب من خطف وسحل و ذبح وصلب وقتل وسطو وسرقة للبنوك الوطنية والمؤسسات المصرفية ، فأخذتني الوقفة لماض ليس بالبعيد وهو ما بعد استقلال محميات عدن الشرقية والغربية والتي كانت مكونة من ثلاثة وعشرين مشيخة وسلطنة وأمارة تحت مسمىً جامع في دولة واحدة سميت أن ذاك بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية والتي أصبحت فيما بعد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، كانت هذه الدولة الوليدة التي ورثت مخلفات مستعمرة بريطانية كان التاج الإمبراطوري البريطاني بمؤسساته يديرها ونطالع شعبية تلك الدولة من اسمها جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ومن عاصمتها حيث كانت عاصمتها مدينة الشعب ورئيسها قحطان الشعبي ورئيس وزرائها فيصل الشعبي ، والتي وصفها الأستاذ العلامة الأديب السيد أحمد بن زين بلفقيه يوم مولدها ورأى حالها في صعودها مصحفا بيت ابن الوردي
ما كنت أحسب أن يمتد بي زمني حتى أرى دولة الأنذال في عدن
حيث قال ابن الوردي :
ما كنت أحسب أن يمتد بي زمني حتى أرى دولة الأوغاد والسفل

وانتهجت نظاما اشتراكياً منذ مولدها تقلبت فيه في ثلاث قوى ولن أقول نظريات لإشكالية فهم نظرية لدى الأعم الأغلب من مواطني هذه الدولة فبدأت باشتراكية قومية عربية متأثرة بالزعيم جمال عبد الناصر ثم انفتحت بالصداقة على مصراعيها إلى أقصى اليسار الشيوعي فاختار قادة تلك الدولة التجربة الاشتراكية الصينية ثم ختمت مسارها القصير بالماركسية اللينينية التي سقطت في مهدها بسقوط الإتحاد السوفيتي وتفتت جمهورياته وتشرذم حلفه فما كان لتلك الدولة إلا أن تسلك مسلكاً آخر للخروج كما خرج الرفاق المسالمين فلا يريدون مصير الرفيق شاوشسكوا ولا الرفيق القريب العزيز مانجستو هيلا ماريامي ، فتوجه الرفيق علي سالم البيض لمعزوفة اليمن الموحد الذي تغنى به شطري اليمن نحو خطى الوحدة العربية فكانت طوق نجاة للرفاق كما ظنوا .
لكن نجد تاريخ هذه الدولة وشعبها يسير في مسار دموي يجعلها في مصاف داعش وهنا يجعلنا ننظر في سوسيولوجيا المواطن الجنوبي الذي كان يهتف بسقوط الرجعية ( الحكم السلاطيني الرجعي) وسحق الكهنوتية ( رجال الدين )والقضاء على الإقطاع فهتف الشعب بذلك وقامت قوى الشعب بعماله وفلاحيه بتصفية هذه الطبقة فقتل منهم بأبشع الصور من الإعدام العلني والدهس والسحل والوطأ بالأقدام ونهب وسرقة المال الخاص وإلغاء الملكية الفردية والوطنية في ظل تصفيق وفرح الجماهير بهذه الجرائم كيف يكون لشعب أن ينسلخ من بشريته ويخرج من بشريته لكي يفتك بابن بلده ومن هو من عرقه!!!؟ ويستبيح أموال شريكه في الوطن وجاره وابن بلدته ويسطو على مزارعه ودوره ويغتصب ممتلكاته وهذا من أجل ماذا؟!!! من أجل شعارات مستوردة ليست من البيئة التي نشأوا فيها ونجد أن سوسيولوجيا العنف بل سيكولوجيته تنتقل في أجياله الآن ولكن ليس بشعارات الثورة التحررية من قيود الإقطاع و الارستقراطية العفنة أو سحق الكهنوت الرجعي فنجد مسلسل الدم يعود من جديد ويهتف به بصيغة الدين والإسلام والخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية فيمسخون تعايشهم كشعب اختلطت فيه الأجناس والشعوب والمعتقدات واختلط وتعايش مع كل أجناس وشعوب ومعتقدات الأرض فأوصل أبناء حضرموت دعوة التعايش والتسامح والمحبة والدين الإسلامي السمح الحنيف إلى شرق آسيا ( اندونيسيا – ماليزيا – تايلاند – الفلبين – بورما – فيتنام – كمبوديا- بروناي – الهند) وشرق أفريقيا( كينيا – أوغندا – تنزانيا – جزر القمر – الكنغو – الصومال – جيبوتي – أثيوبيا – اريتريا) كما أن مدينة عدن تعايشت فيها كل الملل والمذاهب فقامت فيها دور العبادة للمسيحية بكل طوائفها واليهودية والشيعة الزيدية والإسماعيلية وحتى الزرادشتية والهندوسية والبوذية . وهناك صور كثيرة للتعايش الإنساني لدى أبناء هذا الشعب العربي المسلم الذي قدم للأمة الإسلامية مثله مساحة وسكاناً .
فنجدهم اليوم يرفضون كل شيء وربما يرفضون أنفسهم بدعوى المناطقية فيقبل ابن بلاده وجنسه وقوميته بدعوى (شمالي) ويرفض ويدعو لتصفية الحوثيين بدعوى (شيعي أو زيدي) ثم يتطور الأمر للتطهير العرقي العنصري المقيت من تصفية القبائل العدنانية أو الهاشمية (السادة) بدعوى الحوثية وفي المحصلة والنتيجة أن مبررات القتل والتصفية جاهزة وحاضرة في قائمة طويلة جداً أطول من مبررات الاشتراكيين فيبقى السؤال المحير هل نحن في سلوك شعب أم أن الفكر الوهابي النجدي تغلغل بعنفه وقسوته فوجد ابن عبد الوهاب أرض لينينية خصبة يغرس فيها عنفه الأحمر؟!!