كيف استطاعت السعودية ان تسيطر على القراراليمني ؟
مقالات -المحويت نت
احمد ناصر الشريف
اكتسب النظام السعودي تجربة سابقة للدفاع عن نفسه والتمسك ببقائه بعد قيام ثورة 26 سبتمبر في اليمن عام 1962م وهي فترة المدالقومي العربي حيث استشعر هذا النظام بالخطر على نفسه عقب وصول القوات المصرية الى اليمن للدفاع عن الثورة واعتقد بأنه مستهدف لاسقاطه فسارع الى تقديم الدعم للمناوئين للنظام الجمهوري بقيادة الامام محمدالبدر رحمه الله ليس حبا في ارجاع النظام الملكي واستعادة البدر لعرشه المطاح به وانما لاشغال القوات المصرية حتى يتمكن النظام السعودي من ترتيب اوضاعه التي كانت تعمها الفوضى في عهد الملك الراحل سعود بن عبدالعزيز.. وكأن الثورة في اليمن قد جاءت لتوقظ النظام السعودي من سباته العميق لينتهي الأمربقيام ولي العهد حينها الأمير فيصل بانقلاب على اخيه الملك سعود والإستيلاء على الحكم ثم تنصيب نفسه ملكا مما ادى الى انشقاق في اوساط الأسرة المالكة فذهب مجموعة من الأمراء الى مصراطلقوا على انفسهم صفة: الأمراء الأحرار وشكلوا معارضة لنظام الملك فيصل بن عبدالعزيز بقيادة الأمير طلال الذي مايزال يطالب باصلاحات داخل النظام الى اليوم مطالبين باجلاء القواعد الأمريكية من المنطقة الشرقية وتحقيق الحرية والديمقراطية وقد تفاعل مع الأمراء المعارضين العمال في شركة ارامكو فقاموا بمظاهرات ضد النظام وزج بالمئات منهم في السجون وحكم على العديد منهم بالاعدام كما شارك يمنيون مع اخوانهم السعوديين بالقيام بتفجيرات داخل الرياض ومدن أخرى واعدم منهم 17 شخصا في النصف الأول من عام 1967م يقال انهم ابرياء وليسوا ممن قاموا بالتفجيرات لكن امير الرياض حينها سلمان بن عبدالعزيز- الملك حاليا- اصر على اعدامهم ليثبت انه قادر على حماية الرياض.. ولم تتوقف التحركات ضد نظام الملك فيصل الا بعد 5 يونيو 1967م عندما شنت اسرائيل حربا خاطفة على مصر وسورية والأردن فأحتلت القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة التي كانت تخضع للادارتين المصرية والأردنية وكذلك احتلت شبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية واراض اردنية بالاضافة الى هزيمة ثلاثة جيوش عربية خلال ستة ايام فقط.. وهنا تغيرت المعادلة لصالح نظام الملك فيصل الذي سلمه الرئيس جمال عبدالناصر ملف اليمن في الخرطوم وتم الاتفاق على سحب قواته من اليمن ليستعين بها على حفظ الأمن في مصر بعد تدمير الجيش المصري والقضاء عليه وهو مااتاح الفرصة للملك فيصل ليتخلى عن التزاماته تجاه الامام محمدالبدر بسبب رفضه التوقيع على معاهدة الطائف الحدودية لتصبح نهائية والاعتراف بتبعية مناطق جيزان وعسير ونجران للسعودية ففتح الملك فيصل خط مباشر مع النظام الجمهوري في صنعاء ليحقق مكاسب من الجمهوريين عجز عن تحقيقها من الملكيين وقدتحدثنا عن ذلك في الحلقات السابقة.. وبذلك أمنت السعودية على نفسها واصبحت هي المتحكمة في الشأنين اليمني والعربي بل واصبح لها اليد الطولى بفعل ماتمتلكه من اموال صدرت بها الفتن المذهبية والعنصرية والطائفية واحداث القلاقل وزعزعة الأوضاع في العديد من الدول العربية والاسلامية .
لكن احداث ماعرف بالربيع العربي عام 2011م والتي تسببت في اسقاط اربعة انظمة عربية أوجدت وضعا جديدا لاسيما بعد انتقالها الى اليمن وهو ماجعل النظام السعودي يشعر ليس بالقلق وانما بالخطرعلى نفسه في ظل استجابة الجماهير العربية لدعوات القوى السياسية وخاصة جماعة: ( الاخوان المسلمون ) المدعومة امريكيا واسرائيليا للخروج الى الشارع بهدف اسقاط الأنظمة واستبدالها بأنظمة جديدة ترضى عنها امريكا من اجل تمهيد لها الطريق لخلق شرق اوسط جديد.. ولم ينقذ النظام السعودي من تخوف انتقال الأحداث الى ساحته- رغم الاصلاحات التي ادخلها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز لتهدئة الشارع السعودي- الا المبادرة الخليجية التي قدمها الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح لأنظمة دول مجلس تعاون الدول الخليجة للتدخل بموجبها في الشأن اليمني كمصلح في الظاهر وحاكم في الباطن.. ولأن السعودية لها فضل كبير على عملائها في اليمن بمافي ذلك حزب الاصلاح (فرع الاخوان المسلمون في اليمن) فلم يستطع أي طرف سياسي ان يرفضها او يعترض على ماتريده السعودية اولا: حماية لنظامها من تسرب عدوى التذمر الشعبي اليه وثانيا: لاخماد ماعرف بثورة الشباب التي تم الالتفاف عليها بواسطة المبادرة الخليجية.. الا ان ماكان يزعج السعودية هو وجود مكون انصار الله الذي سبق لها ان خاضت حربا ضروسا ضده في صعدة استخدمت فيها كل الأسلحة المدمرة بمافيها قنابل محرمة دوليا وكانت نتيجة المعركة لصالح مكون انصارالله الذي استطاع رجاله ان يحتلوا اكثرمن اربعين موقعا عسكريا داخل العمق السعودي وكذلك وجود مكون انصار الله ضمن القوى السياسية وهو مايعني للنظام السعودي انه سيقف حائلا دون تحقيق مايريد ويسبب له صداعا جديدا من الصعب عليه ان يتعافا منه وهذا ماحدث فعلا فيما بعد.. فقد كان مكون انصار الله هو الطرف السياسي الوحيد الذي كان يرفض نهائيا التدخل السعودي في الشأن اليمني وهو الطرف ايضا الذي كان له موقفه المتصلب في مؤتمر الحوار الوطني خاصة فيما يتعلق بتقسيم اليمن الى اقاليم كون ذلك رؤية سعودية هدفها تفتيت اليمن واضعافه ولذلك لم يوقع على الدستور الذي اقر الأقاليم ولم يوقع على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني لأن المخول بالتوقيع عن انصار الله كان الدكتور احمدشرف الدين الذي تم اغتياله قبل وصوله بدقائق لحضور الجلسة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني.. ومع ان السعودية قد حاولت ان تفرض رؤاها عبر عملائها في صنعاء الذين كانوا يضغطون على مكون انصارالله للموافقة على ماتريده السعودية الا انه استطاع ان يقاوم بشدة مستندا على قاعدته الشعبية التي التفت حوله وكانت تتوق لتحرير اليمن وقرارها السياسي من الوصاية السعودية والأمريكية مماجعل القوى السياسية التي وقعت على الدستور في ابوظبي بالامارات العربية المتحدة في مأزق حرج بما في ذلك المؤتمر الشعبي العام حليف انصارالله حاليا.. وقد زاد الوضع تفاقما تصرفات رئيس الجمهورية حينها عبدربه منصور هادي الذي لم يكن يهمه طيلة فترة حكمه سوى اخراج الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح من رئاسة المؤتمر الشعبي العام والحلول محله متحالفا مع بعض القيادات في المؤتمر من ابرزهم الدكتور عبدالكريم الارياني رحمه الله.. اما رئيس الحكومة حينها الأستاذ محمد سالم باسندوة فقد كان لا حول له ولاقوة بسبب سيطرة حزب الاصلاح والشيخ حميدالأحمر تحديداعلى حكومته والذين جعلوا منها حكومة تقاسم ومحاصصة ومتاجرة بالوظيفة العامة.. وهو ماسنتحدث عنه في الجزء الحادي عشر.