مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تكشف عن صرأع ملكي كبير على العرش السعودي وخفايا وأسرار أحداث المنطقة ونتائج الزيارة الأخيرة لبن سلمان لواشنطن
متابعات- محويت نت
نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، يوم أمس الخميس، مقالاً مطولاً للكاتب الشهير سايمون هندرسون، وهو زميل بيكر في معهد واشنطن، ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد، ومتخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج.
تناول المقال أحداث زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي إلى واشنطن، وما أسماه “الصراع على السلطة مع الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية”، وأيضاً إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب.
هندرسون يقول، إن وسائل الإعلام الأمريكية كانت صامتة في أثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان، الأسبوع الماضي، إلى واشنطن. كما أنها لم تتأثر بالأخبار السارة في البيان الرسمي الذي أفاد بأن الأمير قال للرئيس ترامب إن المخابرات السعودية “تؤكد وجود مؤامرة ضد الولايات المتحدة الأمريكية في البلدان الستة التي منع مواطنوها من دخول البلاد”.
كما أنهم لم ينتبهوا إلى “المستشار السعودي الكبير” المجهول الذي وصف اجتماع المكتب البيضاوي والغداء مع ترامب بأنه “نجاح كبير” و”نقطة تحول تاريخية” و”تحول كبير في العلاقات”. وما جاء في البيان بأن “فهم الرئيس ترامب الكبير لأهمية العلاقات” و”رؤيته الواضحة للمشاكل في المنطقة”.
ولكن الكاتب ذكر أنه ليس من قبيل المصادفة أن الكثير من التغطية الإعلامية العربية اهتمت كثيرا بالزيارة، مشيراً إلى أن الجانب السعودي تعمد استخدام مصطلح “زيارة إعادة العلاقات” مع واشنطن بعد سنوات أوباما، فضلا عن تقديم الإدارة الجديدة إلى الشاب الذي يبدو أنه من المقرر أن يكون الملك القادم للمملكة العربية السعودية.
هندرسون يرى أن “مهمة تشكيل العلاقات قد نجحت. ولكن ينبغي تأجيل الحكم على النتائج الشخصية للأمير محمد بن سلمان”. وأشار إلى أنه من الغريب أن يسمح الأمير محمد بن نايف، وهو ولي العهد، لابن عمه محمد بن سلمان بتخطيه.
وأضاف “يجب على إدارة ترامب التعامل مع اثنين من القادة السعوديين المستقبليين البديلين، وربما — وربما ينبغي — أن تعتبر من السابق لأوانه أن تقرر من يفضله”.
“التنافس بين الرجلين ليس ضرباً من خيال الأجانب. ففي الأسبوع الماضي، عاد المدون السعودي المجهول الذي يبدو أنه مطلع جيدا والذي يستخدم اسم “المجتهد” على “تويتر” بعد عدة أشهر. وأفاد بأن الأميرين يحاولان تجنب أي خلافات عامة، ولكن كل منهما حريص على كسب التأييد ليس فقط من البيت السعودي الأوسع ولكن أيضا من الولايات المتحدة”.
الكاتب يرى أنه على مستوى المكاسب، قد يكون محمد بن نايف قد استفاد أكثر من زيارة محمد بن سلمان، مشيراً إلى أنه على الرغم من الصور وحرس الشرف، فإن رحيل بن سلمان من الولايات المتحدة الأمريكية كان غير معلن بشكل كبير. فلم تتواجد حشود من المعجبين، ولكن بدلا من ذلك كانت الرحلة إلى الرياض في الثانية والنصف صباحا بعد يوم واحد من الاجتماع مع وزير الدفاع جيمس ماتيس ورئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد، من دون التوجه إلى نيويورك لعقد اجتماعات عمل كما كان متوقعاً.
وأوضح هندرسون أنه في هذه الأثناء كان الملك سلمان عائدا إلى المملكة بعد أن قام برحلة آسيوية استمرت شهرا واحدا، وكان الأمير بحاجة إلى أن يكون هناك ترحيب به.
ولفت إلى أن ادعاء المملكة بأن عطلة العاهل السعودي في جزر المالديف الرائعة قد تم إلغاؤها بسبب تفشي إنفلونزا الخنازير، بدا أيضاً دبلوماسياً ملائماً بحيث يمكن تصديقه تماما. ولكنه أشار إلى ما قالته صحيفة “فايننشال تايمز” من أن السياسيين المعارضين هناك أحدثوا ضجة واسعة بسبب الترتيب المفترض للتنازل عن مجموعة من الجزر إلى محمد بن سلمان إلى الأبد.
فقد وجد أعضاء الوفد المرافق للملك، الذين كانوا يأملون في السيطرة على الجزر لحفظ موضع قدم في المحيط الهندي، أنفسهم في الرياض في وقت مبكر مما يعني أن الأمير محمد بن سلمان، أيا كانت مهمته في واشنطن، مضطراً إلى العودة في وقت مبكر أيضا.
“وعلى الرغم من إعادة العلاقات الافتراضية، فإن الصور ومقاطع الفيديو في واشنطن توضح البرود من قبل ترامب نحو محمد بن سلمان. فربما كان الرئيس الأمريكي غاضبا من أن الشاب السعودي، فلم يظهر أي احترام واضح”.
هندرسون أكد أنه في نهاية المطاف، الاختلافات في السياسة، وليس الاختلافات الشخصية، ستكون أكثر أهمية، مشيرا إلى أن “الجميع في القيادة السعودية يتقاسمون مع إدارة ترامب وجهة نظر مشتركة حول المخاطر التي تشكلها إيران. ولكن هناك فجوة في مواقف كل منهما بشأن الحرب في اليمن، وكيف يمكن للمملكة أن تخرج منها على أفضل وجه”.
ولفت الكاتب إلى أن السعودية حققت تقدماً ضئيلا في القتال ضد الحوثيين المدعومين من إيران، وربما كانت واشنطن البيروقراطية تأسف لدعمها الوفير الأولي للحرب، وهو امتياز سياسي للرياض لتهدئة المخاوف السعودية بشأن الاتفاق النووي مع إيران. وأضاف “الجيش السعودي مستمر في إثبات أنه، على حد تعبير مسؤول البنتاغون خلال إدارة أوباما، نمراً ورقيا”.
وبالتزامن مع عودة طائرة الأمير محمد بن سلمان إلى الوطن، ظهرت أخبار عن أن مروحية، ربما كانت تابعة للتحالف الذي تقوده السعودية، تقصف زورقا للاجئين يحمل صوماليين هربوا من الحرب الأهلية اليمنية.
وقد أودت بحياة 42 شخصا، “ولكن من وجهة نظر واشنطن كان الأسوأ هو التقرير الذى أشار إلى أن مروحية من طراز “أباتشي” من صنع الولايات المتحدة متورطة. وهذا يعني أنه كان يمكن أن تكون سعودية أو إماراتية، ولكن الإمارات العربية المتحدة أصدرت نفيا رسميا”.
ولفت هندرسون إلى أن الشكوك حول الدور السعودي تقوم على الحكم بأن طياريها كانوا غير قادرين على تنفيذ الهجوم، ليلا وفي عرض البحر.
وأضاف “كانت الولايات المتحدة بالفعل في مأزق حول استئناف إمدادات الأسلحة للقوات الجوية السعودية في أعقاب المخاوف التي أثيرت في العام الماضي حول استهداف المدنيين اليمنيين. صور اللاجئين الموتى ومن تم إنقاذهم سيؤدي إلى زيادة تعقيد هذا التحول في السياسة”.
الكاتب الأمريكي يرى أنه إذا ظلت اليمن شوكة في جنب العلاقة الأمريكية السعودية، يبدو أن البلدين يجدان أرضية مشتركة للعلاقات الاقتصادية، مشيراً إلى أن البيان السعودي تحدث عن أن تغييرات ترامب في السياسة الأمريكية تتزامن مع التغيير الجاري في المملكة العربية السعودية من خلال “رؤية 2030″، وهو مخطط محمد بن سلمان للتحول الاقتصادي في المملكة.
وتحدثت بيانات البيت الأبيض الرسمية عن “التعاون الاقتصادي الموسع الذي يمكن أن يخلق ما يصل إلى مليون وظيفة أمريكية مباشرة في غضون السنوات الأربع المقبلة، والملايين من الوظائف الأمريكية غير المباشرة، فضلا عن فرص العمل في المملكة العربية السعودية”. كما أشارت أيضا إلى صفقات ” تقدر قيمتها بأكثر من 200 مليار دولار في الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة خلال السنوات الأربع المقبلة”.
وأضاف الكاتب “هذا قد يكون على الجانب المحافظ. فإن النميمة في الأسواق المالية تشير إلى أن المملكة كانت تعلق فكرة التريليون دولار في الاستثمارات في الولايات المتحدة على مدى العقد المقبل”.
وتابع “قد تكون هذه الصفقة محيرة لترامب. ولكن، كما هو الحال دائما، الأمر يتعلق بالسعر”. فكما قال وزير النفط السعودي خالد الفالح لصحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب لعام 2016 قد أثار التوتر في العلاقات الأمريكية السعودية ويهدد الاستثمار السعودي في الولايات المتحدة.
وقال فالح أيضا إن القانون مرتبط بقرار المملكة بإدراج أسهم شركة النفط “أرامكو” المملوكة للدولة، فيا يتوقع أن يكون الاكتتاب الأكبر في التاريخ عام 2018.
وجاء القانون، المعروف باسم “جاستا” الذي يسمح لضحايا الإرهاب الأمريكيين بتقديم دعاوى مدنية فى المحكمة الفدرالية ضد المملكة. وكان ترامب مؤيدا قويا لهذا القانون. “ويريد السعوديون على الأقل تحييد القانون، ولكنهم عملوا على هذه القضية دون جدوى، على الرغم من ملايين الدولارات التي أنفقتها من أجل هذا الأمر”.
هندرسون ذكر أن هذا التطور يجعل حسابات كل جانب عن اجتماعات واشنطن أكثر تحديا، مشيرا إلى أنه من الواضح أن هناك اتفاقا على العمل معا، ولكن اليمن ما زالت تمثل مشكلة فورية، مما يفسر النقاش حول كيفية التصدي للتهديد الأوسع الذي تشكله إيران، وكذلك تنظيمي “داعش” و”القاعدة” والجماعات الإرهابية الأخرى. “وفي الوقت نفسه، فإن المصالحة العامة بين السعودية والإمارات مع إسرائيل على أساس خوفهم من إيران لا تزال بعيدة المنال”.
ولفت الكاتب إلى أن البيان السعودي اتهم إيران بعرقلة التوصل إلى اتفاق “لتسوية القضية الفلسطينية”، لكنه تجنب أي إشارة إلى إسرائيل.
وبحسب الكاتب، فإن هذه المسؤولية قد تقع على عاتق مستشاري ترامب المقربين للتصدي لهذه الصعوبات، وأشار إلى أن كبير مستشاريه الاستراتيجيين ستيفن بانون وكبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنر كانا في المكتب البيضاوي واجتماعات البنتاغون وكذلك غداء البيت الأبيض. وفى الوقت نفسه، كان محامي ترامب والمستشار الإسرائيلى جيسون جرينبلات فى القدس ورام الله يتحدثان مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والزعيم الفلسطيني محمود عباس.
وتابع هندرسون “في بعض الأحيان، الأحداث العالمية لديها مفارقات غريبة وساخرة. إذ اختتمت زيارة الملك سلمان لآسيا الأسبوع الماضي بزيارة رفيعة المستوى للصين حيث استقبلته، هو ووفده من قادة الأعمال السعوديين، القيادات العليا في البلاد ووافقوا على صفقات بقيمة 65 مليار دولار. وفى 19 مارس، وصل نتنياهو إلى بكين لإجراء مناقشات مماثلة”. وقد أشاد به رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ بقوله “إن الشعب الصيني والشعب اليهودي شعبان عظيمان في العالم”.
واختتم هندرسون مقاله بالقول “خطوط الاتجاه واضحة. فيمكن أن تكون الاستثمارات مفتاح التحالفات السياسية الأعمق، والمملكة العربية السعودية وإسرائيل لديهم قواسم مشتركة أكثر مما يريد البيت السعودي أن يعترف به. فهل نحن في انتظار صفقة أكبر؟”.